فصل: تفسير الآيات (59- 60):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (59- 60):

{قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)}
قوله تعالى: {فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ} فيها قولان:
أحدهما: أنها النخل، قاله الحسن.
الثاني: الحائط من الشجر والنخل، قاله الكلبي.
{ذَاتَ بَهْجَةٍ} فيها قولان:
أحدهما: ذات غضارة، قاله قتادة.
الثاني: ذات حسن، قاله الضحاك.
{مَّا كَانَ لَكُْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا} أي ما كان في قدركم أن تخلقوا مثلها.
{أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} فيه وجهان:
أحدهما: أي ليس مع الله إله، قاله قتادة.
الثاني: أإله مع الله يفعل هذا، قاله زيد بن أسلم.
{بَلْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: أي يعدلون عن الحق.
الثاني: يشركون بالله فيجعلون له عدلاً أي مثلاً، قاله قطرب ومقاتل.

.تفسير الآية رقم (61):

{أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)}
قوله: {أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً} أي جعلها مستقراً.
{وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً} أي في مسالكها ونواحيها أنهار جارية ينبت بها الزرع ويحيي به الخلق.
{وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ} يعني جبالاً هي لها ماسكة والأرض بها ثابتة.
{وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَينِ حَاجِزاً} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: بحر السماء والأرض، قاله مجاهد.
الثاني: بحر فارس والروم، قاله الحسن.
الثالث: بحر الشام والعراق، قاله السدي.
الرابع: العذب والمالح، قاله الضحاك.
والحاجز المانع من اختلاط أحدهما بالآخر فيه وجهان:
أحدهما: حاجزاً من الله لا يبغي أحدهما على صاحبه، قاله قتادة.
الثاني: حاجزاً من الأرض أن يختلط أحدهما بالآخر، حكاه قتادة.
{أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يعقلون، قاله ابن عباس.
الثاني: لا يعلمون توحيد الله، حكاه النقاش.
الثالث: لا يتفكرون، حكاه ابن شجرة.

.تفسير الآية رقم (62):

{أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (62)}
قوله {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} وإنما خص إجابة المضطر لأمرين:
أحدهما: لأن رغبته أقوى وسؤاله أخضع.
الثاني: لأن إجابته أعم وأعظم لأنها تتضمن كشف بلوى وإسداء نعمى.
{وَيَكْشِفُ السُّوءَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون عن المضطر بإجابته.
الثاني: عمن تولاه ألاَّ ينزل به.
وفي {السُّوءَ} وجهان:
أحدهما: الضر.
الثاني: الجور، قاله الكلبي.
{وَيَجْعَلَكُمْ خُلَفَآءَ الأَرْضِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدهما: خلفاً من بعد خلف، قاله قتادة.
الثاني: أولادكم خلفاء منكم، حكاه النقاش.
الثالث: خلفاء من الكفار ينزلون أرضهم وطاعة الله بعد كفرهم، قاله الكلبي.
{قَلِيلاً مَّا تَذَكَرُونَ} أي ما أقل تذكركم لنعم الله عليكم!

.تفسير الآيات (63- 64):

{أَمْ مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (63) أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (64)}
قوله {أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرَّ وَالْبَحْرِ} فيه وجهان:
أحدهما: يرشدكم من مسالك البر والبحر.
الثاني: يخلصكم من أهوال البر والبحر، قاله السدي.
وفي {الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} وجهان:
أحدهما: أن البر الأرض والبحر الماء.
الثاني: أن البر بادية الأعراب والبحر الأمصار والقرى، قاله الضحاك.
{وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مبشرة، قاله ابن عباس وتأويل من قرأ بالباء.
الثاني: منشرة، قاله السدي وهو تأويل من قرأ بالنون.
الثالث: ملقحات، قاله يحيى بن سلام.
{بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} وهو المطر في قول الجميع.
{أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي عما أشرك المشركون به من الأوثان.

.تفسير الآيات (65- 70):

{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآَبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)}
قوله: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ} وفي صفة علمهم بهذه الصفة قولان:
أحدهما: أنها صفة ذم فعلى هذا في معناه أربعة أوجه:
أحدها: غاب عليهم، قاله ابن عباس.
الثاني: لم يدرك علمهم، قاله ابن محيصن.
الثالث: اضمحل علمهم، قاله الحسن.
الرابع: ضل علمهم وهو معنى قول قتادة. فهذا تأويل من زعم أنها صفة ذم.
والقول الثاني: أنها صفة حمد لعلمهم وإن كانوا مذمومين فعلى هذا في معناه ثلاثة أوجه:
أحدها: أدرك علمُهم، قاله مجاهد.
الثاني: اجتمع علمهم، قاله السدي.
الثالث: تلاحق علمهم، قاله ابن شجرة.
{فِي شَكٍّ مِّنْهَا} يعني من الآخرة فمن جعل ما تقدم صفة ذمٍ لعلمهم جعل نقصان علمهم في الدنيا فلذلك أفضى بهم إلى الشك في الآخرة، ومن جعل ذلك صفة حمد لعلمهم جعل كمال علمهم في الآخرة فلم يمنع ذلك أن يكونوا في الدنيا على شك في الآخرة.

.تفسير الآيات (71- 81):

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (71) قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (73) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (74) وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (75) إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78) فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)}
قوله: {رَدِفَ لَكُم} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: معناه اقترب لكم ودنا منكم، قاله ابن عباس وابن عيسى.
الثاني: أعجل لكم، قاله مجاهد.
الثالث: تبعكم، قاله ابن شجرة ومنه رِدْف المرأة لأنه تبع لها من خلفها، قال أبو ذؤيبٍ:
عاد السواد بياضاً في مفارقه ** لا مرحباً ببياض الشيب إذ ردِفا

وفي قوله تعالى: {بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ} وجهان:
أحدهما: يوم بدر.
الثاني: عذاب القبر.
قوله: {وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ} الآية. فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الغائبة القيامة، قاله الحسن.
الثاني: ما غاب عنهم من عذاب السماء والأرض، حكاه النقاش.
الثالث: جميع ما أخفى الله عن خلقه وغيَّبه عنهم، حكاه ابن شجرة.
وفي {كِتَابٍ مُّبِينٍ} قولان:
أحدهما: اللوح المحفوظ.
الثاني: القضاء المحتوم.

.تفسير الآية رقم (82):

{وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)}
قوله {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: وجب الغضب عليهم، قاله قتادة.
الثاني: إذا حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون، قاله مجاهد.
الثالث: إذا لم يؤمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر وجب السخط عليهم، قاله ابن عمر وأبو سعيد الخدري.
الرابع: إذا نزل العذاب، حكاه الكلبي.
{أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} فيها قولان:
أحدهما: ما حكاه محمد بن كعب عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن الدابة فقال: أما والله لها ذنب وإن لها للحية، وفي هذا القول إشارة إلى أنها من الإنس وإن لم يصرح.
الثاني: وهو قول الجمهور أنها دابة من دواب الأرض، واختلف من قال بهذا في صفتهاعلى ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها دابة ذات زغب وريش لها أربع قوائم، قاله ابن عباس:
الثاني: أنها دابة ذات وبر تناغي السماء، قاله الشعبي.
القول الثالث: أنها دابة رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن آيِّل وعنقها عنق نعامة وصدرها صدر أسد ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير بين كل مفصلين اثنا عشر ذراعاً تخرج معها عصا موسى وخاتم سليمان فتنكت في وجه المسلم بعصا موسى نكتة بيضاء وتنكت في وجه الكافر بخاتم سليمان فيسود وجهه، قاله ابن الزبير.
وفي قوله {مِّنَ الأَرْضِ} أربعة أقاويل:
أحدها: أنها تخرج من بعض أودية تهامة، قاله ابن عباس.
الثاني: من صخرة من شعب أجياد، قاله ابن عمر.
الثالث: من الصفا، قاله ابن مسعود.
الرابع: من بحر سدوم، قاله ابن منبه.
وفي {تُكَلِّمُهُمْ} قراءتان:
الشاذة منهما: {تَسِمهُم} بفتح التاء، وفي تأويلها وجهان:
أحدهما: تسمهم في وجوههم بالبياض في وجه المؤمن، وبالسواد في وجه الكافر حتى يتنادى الناس في أسواقهم يا مؤمن يا كافر، وقد روى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تَخْرُجُ الدَّابَّهُ فَتَسِم الناسَ عَلَى خَرَاطِيمِهِم».
الثاني: معناه تجرحهم وهذا مختص بالكافر والمنافق، وجرحه إظهار كفره ونفاقه ومنه جرح الشهود بالتفسيق، ويشبه أن يكون قول ابن عباس.
والقراءة الثانية: وعليها الجمهور {تُكَلِّمُهُمْ} بضم التاء وكسر اللام من الكلام، وحكى قتادة أنها في بعض القراءة: {تُنَبِّئُهُمْ} وحكى يحيى بن سلام أنها في بعض القراءة: {تُحَدِّثُهُمْ}.
وفي كلامها على هذا التأويل قولان:
أحدهما: أن كلامها ظهور الآيات منها من غير نطق ولا لفظ.
والقول الثاني: أنه كلام منطوق به.
فعلى هذا فيما تكلم به قولان:
أحدهما: أنها تكلمهم بأن هذا مؤمن وهذا كافر.
الثاني: تكلمهم بما قاله الله {أَنَّ النَّاسَ كَانُواْ بِئَايَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ} قاله ابن مسعود وعطاء.
وحكى ابن البيلماني عن ابن عمر أن الدابة تخرج ليلة جمع وهي ليلة النحر والناس يسيرون إلى منى.